فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيَسْتَعْجلُونَكَ} أي ويستعجلك كفار قريش {بالعذاب} على طريقة الاستهزاء والتعجيز والتكذيب به بقوله: {متى هذا الوعد} [يونس: 8 4] وقولهم: {أمطر علينا حجارة أو ائتنا بعذاب} [الأنفال: 32] ونحو ذلك {وَلَوْلاَ أَجَل مسَمى} قد ضربه الله تعالى لعذابهم وسماه وأثبته في اللوح {لجَاءهُمُ العذاب} المعين لهم حسبما استعجلوا به، وقال ابن جبير: المراد بالأجل يوم القيامة لما روي أنه تعالى وعد رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة، وقال ابن سلام: والمراد به أجل ما بين النفختين، وقيل: يوم بدر، وقيل: وقت فنائهم بآجالهم، وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به {وَلَيَأْتيَنهُمْ} جملة مستأنفة مبينة لما أشير إليه في الجملة السابقة من مجيء العذاب عند حلول الأجل، أي وبالله تعالى: {ليأتينهم} العذاب الذي عين لهم عند حلول الأجل {الله بَغْتَةً} أي فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي بإتيانه، ولعل المراد بإتيانه كذلك أنه لا يكون بطريق التعجيل عند استعجالهم والإجابة إلى مسؤولهم فإن ذلك إتيان برأيهم وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم قارون آمنون لا يحظرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بياتًا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما أن إتيان عذاب الآخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل قاله بعضهم، وقال آخرون: إتيانه كذلك من حيث أنه غير متوقع لهم وإتيان عذاب الآخرة ونحوه كذلك لإنكارهم البعض، وكذا عذاب القبر أو اعتقادهم شفاعة آلهتهم لهم في دفع العذاب عنهم، وكذا إتيان عذاب يوم بدر لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين ولا تخطر لهم ببال على ما بين في السير.
{يَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب وَإن جَهَنمَ لَمُحيطَة بالكافرين} استئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رأيهم وهو ظاهر في أن ما استعجلوه عذاب الآخرة، وجملة {إن جَهَنمَ} الخ في موضع الحال أي يستعجلونك بالعذاب والحال أن محل العذاب الذي لا عذاب فوق محيط بهم كأنه قيل: يستعجلونك بالعذاب وأن العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم على إرادة المستقبل من اسم الفاعل، أو كالمحيط بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي الموجبة إياه بهم على أن في الكلام تشبيهًا بليغًا أو استعارة أو مجازًا مرسلًا أو تجوزًا في الإسناد، وقيل: إن الكفر والمعاصي هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة، والمراد بالكافرين المستعجلون، ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم أو جنس الكفرة وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا.
{يَوْمٍ يَغْشَاهُمُ العذاب} ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانًا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل: يوم يأتيهم ويجللهم العذاب الذي أشير إليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي به المقال، وقيل: ظرف لمحيطة على معنى وإن جهنم ستحيط بالكافرين يوم يغشاهم العذاب {من فَوْقهمْ وَمن تَحْت أَرْجُلهم} أي من جميع جهاتهم فما ذكر للتعميم كما في الغدو والآصال، قيل: وذكر الأرجل للدلالة على أنهم لا يقرون ولا يجلسون وذلك أشد العذاب {وَيَقُولُ} أي الله عز وجل، وقيل: الملك الموكل بهم.
وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريون {وَنَقُولُ} بنون العظمة وهو ظاهر في أن القائل هو الله تعالى.
وقرأ أبو البرهسم {وَتَقُولُ} بالتاء على أن القائل جهنم، ونسب القول إليها هنا كما نسب في قوله تعالى: {وَتَقُولُ هَلْ من مزيدٍ} [ق: 0 3] وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة {ويقال} مبنيًا للمفعول {وَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من السيئات التي من جملتها الاستعجال بالعذاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالْعَذَاب}.
عطف على جملة: {وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه} [العنكبوت: 50] استقصاء في الرد على شبهاتهم وإبطالًا لتَعلات إعراضهم الناشىء عن المكابرة، وهم يخيلون أنهم إنما أعرضوا لعدم اقتناعهم بآية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومناسبة وقوعه هذا أنه لما ذكر كفرهم بالله وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينذرهم على ذلك بالعذاب وكانوا يستعجلونه به ذكر توركهم عليه عقب ذكر الكفر.
واستعجال العذاب: طلب تعجيله وهو العذاب الذي تُوعدوا به.
وقصدهم من ذلك الاستخفاف بالوعيد.
وتقدم الكلام على تركيب: {يستعجلونك بالعذاب} في قوله تعالى: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير في سورة} [يونس: 11] ، وقوله: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة في سورة} [الرعد: 6].
والتعريف في العذاب تعريف الجنس.
وحُكي استعجالهم العذاب بصيغة المضارع لاستحضار حال استعجالهم لإفادة التعجيب منها كما في قوله تعالى: {يجادلنا في قوم لوط} [هود: 74].
وقد أبطل ما قصدوه بقوله: {ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب} وذلك أن حلول العذاب ليس بيد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا جاريًا على طلبهم واستبطائهم فإن الله هو المقدر لوقت حلوله بهم في أجل قدره بعلمه.
والمسمى أريد به المعين المحدود أي في علم الله تعالى.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} في سورة [الحج: 5].
والمعنى: لولا الأجل المعين لحلول العذاب بهم لجاءهم العذاب عاجلًا لأن كفرهم يستحق تعجيل عقابهم ولكن أراد الله تأخيره لحكَم عَلمَها، منها إمهالهم ليؤمن منهم من آمن بعد الوعيد، وليعلموا أن الله لا يستفزه استعجالهم العذاب لأنه حكيم لا يخالف ما قدره بحكمته، حليم يمهل عباده.
فالمعنى: لولا أجل مسمى لجاءهم العذاب في وقت طلبهم تعجيله، ثم أنذرهم بأنه آتيهم بغتة وأن إتيانه محقق لما دل عليه لام القسم ونون التوكيد وذلك عند حلول الأجل المقدر له.
وقد حل بهم عذاب يوم بدر بغتة كما قال تعالى: {ولو تَوَاعَدْتم لاختلفتم في الميعاد} [الأنفال: 42] فاستأصل صناديدهم يومئذ وسُقط في أيديهم.
وإذ قد كان الله أعد لهم عذابًا أعظم من عذاب يوم بدر وهو عذاب جهنم الذي يعم جميعهم أعقب إنذارهم بعذاب يوم بدر بإنذارهم بالعذاب الأعظم.
وأعيد لأجله ذكر استعجالهم بالعذاب معترضًا بين المتعاطفين إيماء إلى أن ذلك جواب استعجالهم فإنهم استعجلوا العذاب فأُنذروا بعذابين، أحدهما أعجل من الآخر.
وفي إعادة: {يستعجلونك بالعذاب} تهديد وإنذار بأخذهم، فجملة: {وإن جهنم} معطوفة على جملة: {وليأتينهم بغتة} فهما عذابان كما هو مقتضى ظاهر العطف.
والإحاطة كناية عن عدم إفلاتهم منها.
والمراد {بالكافرين} المستعجلون، واستُحضروا بوصف الكافرين للدلالة على أنه موجب إحاطة العذاب بهم.
واستعمل اسم الفاعل في الإحاطة المستقبلة مع أن شأن اسم الفاعل أن يفيد الاتصاف في زمن الحال، تنزيلًا للمستقبل منزلة زمان الحال تنبيهًا على تحقيق وقوعه لصدوره عمن لا خلاف في إخباره.
ويتعلق: {يوم يغشاهم العذاب} بمحيطة، أي تحيط بهم يوم يغشاهم العذاب.
وفي قوله: {يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} تصوير للإحاطة.
والغشيان: التغطية والحجب.
وقوله: {من فوقهم} بيان للغشيان لتصويره تفظيعًا لحاله كقوله: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38] وتأكيدًا لمعنى الغشيان لرفع احتمال المجاز، فهو في موضع الحال من {العذاب} وهي حال مؤكدة.
وقوله: {ومن تحت أرجلهم} احتراس عما قد يُوهمه الغشيان من الفوقية خاصة، أي تصيبهم نار من تحتهم تتوهج إليهم وهم فوقها، ولما كان معطوفًا على الحال بالواو وكان غير صالح لأن يكون قيدًا ل {يغشاهم} لأن الغشيان هو التغطية فتقتضي العلو تعين تقدير فعل يتعلق به {من تحت أرجلهم} وهو أن يقدر عامل محذوف.
وقد عد هذا العمل من خصائص الواو في العطف أن تعطف عاملًا محذوفًا دل عليه معموله كقول عبد الله بن الزبعرى:
يَا ليتَ زَوجكك قد غدا ** متقلدًا سيفًا ورمحا

يريد: ومُمسكًا رمحًا لأن الرمح لا يتقلد يصلح أن يكون مفعولًا معه وأبو عبيدة والأصمعي والجرمي واليزيدي، ومن وافقهم يجعلون هذا من قبيل تضمين الفعل معنى فعل صالح للتعلق بالمذكور فيقدر في هذه الآية تضمين فعل {يغشاهم} معنى يصيبهم ويأخذهم.
والمقصود من هذا الكناية عن أن العذاب محيط بهم، فلذلك لم يذكر الجانبان الأيمن والأيسر لأن الغرض من الكناية قد حصل.
والمقام مقام إيجاز لأنه مقام غضب وتهديد بخلاف قوله تعالى: {ثم لآتيَنهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 17] لأنه حكاية لإلحاح الشيطان في الوسوسة.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: {ويقول} بالياء التحتية والضمير عائد إلى معلوم من المقام.
فالتقدير: ويقول الله.
وعدل عن ضمير التكلم على خلاف مقتضى الظاهر على طريقة الالتفات على رأي كثير من أئمة البلاغة، أو يقدر: ويقول الملك الموكل بجهنم، أو التقدير: ويقول العذاب، بأن يجعل الله للنار أصواتًا كأنها قول القائل: {ذوقوا}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بالنون وهي نون العظمة.
ومعنى: {ما كنتم تعملون} جزاؤه لأن الجزاء لما كان بقدر المجزي أطلق عليه اسمه مجازًا مرسلًا أو مجازًا بالحذف. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالْعَذَاب}.
عجيب أنْ يطلب الإنسان لنفسه العذاب، وأن يستعجله إن أبطأ عليه، إذن: ما طلبه هؤلاء إلا لاعتقادهم أنه غير واقع بهم، وإلا لو ووَثقُوا من وقوعه ما طلبوه.
{وَلَوْلاَ أَجَل مسَمى لجَاءَهُمُ العذاب} [العنكبوت: 53] لأن كل شيء عند الله بميقات، وأجل، والأجل يختلف باختلاف أصحابه وهو أجل الناس وأعمارهم، وهي آجال متفرقة فيهم، لكن هناك أجل يجمعهم جميعًا، ويتفقون فيه، وهو أجل الساعة.
فقوله تعالى: {فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدمُونَ} [الأعراف: 34] أي: بآجالهم المتفرقة. أما أجل القيامة فأجل واحد مُسمى عنده تعالى، ومن عجيب الفَرْق بن الأجلين أن الآجال المتفرقة في الدنيا تنهي حياة، أما أجل الآخرة فتبدأ به الحياة.
والمعنى {وَلَوْلاَ أَجَل مسَمى لجَاءَهُمُ العذاب} [العنكبوت: 53] أن المسألة ليست على هواهم ورغباتهم؛ لذلك يقول تعالى: {خُلقَ الإنسان منْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] ويقول: {سَأُوْريكُمْ آيَاتي فَلاَ تَسْتَعْجلُون} [الأنبياء: 37].
لذلك لما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية بينه وبين كفار مكة، ورضي أنْ يعود بأصحابه دون أداء فريضة العمرة غضب الصحابة وعلي وعمر، ولم يعجبهم هذا الصلح، وكادوا يخالفون رسول الله غيرةً منهم على دينهم، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها وقال: «هلك المسلمون» قالت: ولم يا رسول الله؟ قال: «أمرتهم فلم يمتثلوا» فقالت: يا رسول الله اعذرهم، فهم مكروبون، جاءوا على شَوْقٍ لبيت الله، وكانوا على مقربة منه هكذا، ثم يُمنعون ويُصدون، اعذرهم يا رسول الله، ولكن امْض فاصنع ما أمرك الله به ودَعْهم، فإنْ هم رأوْكَ فعلتَ فعلوا، وعلموا أن ذلك عزيمة وفعلًا ذهب رسول الله، وتحلل من عمرته، ففعل القوم مثله، ونجحت مشورة السيدة أم سلمة، وأنقذت الموقف ثم بين الله لهم الحكمة في العودة هذا العام دون قتال، ففي مكة إخوان لكم آمنوا، ويكتمون إيمانهم، فإنْ دخلتم عليهم مكة فسوف تقتلونهم دون علم بإيمانهم.
وكان عمر- رضي الله عنه- كعادته شديدًا في الحق، فقال: «يا رسول الله، ألسنا على الحق؟ قال: صلى الله عليه وسلم: بلى قال: أليسوا على الباطل؟ قال صلى الله عليه وسلم بلى قال: فَلمَ نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر: الزم غَرْزك يا عمر». يعني قف عند حدك وحجم نفسك، ثم قال بعدها ليبرر هذه المعاهدة: ما كان فتح في الإسلام أعظمَ من فتح الحديبية- لا فتح مكة.
لماذا؟ لأن الحديبية انتزعت من الكفار الاعترافَ بمحمد، وقد كانوا معارضين له غير معترفين بدعوته، والآن يكاتبونه معاهدة ويتفقون معه على رأي، ثم إنها أعطت رسول الله فرصة للتفرغ لأمرالدعوة ونشرها في ربوع الجزيرة العربية، لكن في وقتها لم يتسع ظن الناس لما بين محمد وربه، والعباد عادةً ما يعجلون، والله عز وجل لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد سبحانه.